مقديشو - 1 أغسطس 2018م
أولاً: كيف تصف العلاقات الصومالية القطرية، هل يمكن القول أنها علاقة ذات أبعاد جيوسياسية واستراتيجية، وهل لدى الدوحة رؤية مستقبلية لتوطيد علاقاتها مع دول القرن الأفريقي، في ظل المتغيرات السياسية والتكتلات الجديدة في المنطقة ؟
في البداية أشكرك على إتاحة الفرصة لي، سوف أجزىء الإجابة على هذا السؤال، لأنه ينطوي على العديد من الأسئلة في سؤال واحد، فيما يتعلق بالجزء الأول بشأن العلاقات الصومالية القطرية، لا يمكن اختزالها داخل حدود الإجابة عن هذا التساؤل فما يمكن أن أقوله هنا إن الجميع يعلم حجم العلاقات الثنائية بين البلدين ومحطاتها البارزة التي ميزت وأسهمت بصورة مباشرة في ترسيخ مسيرة التعاون بما انعكس إيجابا ًعلى تحقيق المصالح المشتركة، و إزدياد العلاقات الأخوية تماسكاً ورسوخاً في ظل القيادة الحكيمة للشعبين القطري والصومالي، وهو ما جعلها مثالاً للروابط القوية المتأصلة في وجدان الدولتين وتاريخهما المشترك، كما أن زيارة فخامة الرئيس فرماجو للدوحة ولقائه بأخيه حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني -أمير البلاد المفدى "حفظه الله" وتوقيع عدة اتفاقيات مشتركة للتعاون الثنائي تعد تتويجاً للعلاقات القائمة و أضفت عليها قوة دفع وزخماً كبيراً.
وفيما يتعلق بالأبعاد الجيوسياسية والاستراتيجية في علاقة الدولتين، يمكنني أن أقول وبوضوح عند النظر للوراء قليلاً يتضح جلياً أن دولة قطر انخرطت في الوقوف مع الصومال ودعمه بشكل حثيث وعملي منذ عقد من الزمان في ظل تنافس إستقطابي من بعض الدول لتوظيف الصومال في مشاريعها الإقليمية، و هنا يتضح جلياً مدى التضخم والتناقض الحاصل في علاقة تلك الدول مع الصومال ووصولها إلى مفترق طرق بعد انكشاف تناقضات رؤيتها وسياساتها تجاه الصومال من جهة، وعدم ترسيم الحدود الفاصلة بين مشروعها الإقليمي وسيادة ووحدة الدولة الفيدرالية من جهة أخرى، وبذلك أصبحت هناك سياستان للدول المعنية بالشأن الصومالي، واحدة داعمة للصومال شعباً وحكومة والثانية داعمة للتوتر وتقويض ما تحقق من إنجازات طيلة السنوات الماضية والتركيز على مصير مشروعها الإقليمي، وهو ما يسلط الضوء على الموقع الجيوستراتيجي للصومال ليس في إطارها المحدد جغرافياً فحسب، وإنما أيضاً في امتداداته العربية وبخاصة لناحية الخليج العربي، وقد دفع هذا الأمر الصومال لإعادة تقييم سياسته الخارجية وترتيب أولوياته، ثم الاعتماد على قدراته الذاتية، وبناء شراكات وتفاهمات مع دولة قطر الفاعلة في الساحة الصومالية بدورها الداعم لمختلف المجالات.
والحديث عن رؤية دولة قطر المستقبلية لتوطيد علاقاتها مع دول القرن الأفريقي في ظل المتغيرات السياسية يطول لكن باختصار أقول إنها تنبع من مشاركتها كضامن في مسار الاستقرار وتنمية ونهضة شعوب المنطقة، وأضيف أيضاً شيئاً أخراً وهو أن رؤية دولة قطر المستقبلية تجاه دول المنطقة تهدف للحفاظ على وحدة أراضي دول المنطقة ككل، وتنادي بتجنيب المنطقة الصراعات البينية، ومحاربة الإرهاب بكافة أشكاله وتسعى لخلق تفاهمات تمنح هذه الدول مرونة لكي تتعدد أمامها الخيارات للحد من ضغط الأزمات المتزامنة عليها وعلى قراراتها ومواقفها. واعتقد أن العمل السياسي البناء والجاد هو وحده الذي يجعل الآخرين يقتنعون بك وبمشروعك على شرط أن تثبت في كل حين أنك تعيش قضاياهم فعلاً بمعنى ألا تخلط بين الثوابت والمتغيرات وعدم التدخل في الشأن الداخلي للبلد.
مضى عام على حصار دولة قطر من قبل السعودية والإمارات ومصر والبحرين، كيف تصدت الدوحة لسياسات دول الحصار في منطقة القرن الأفريقي، وكيف نجحت قطر في سحب البساط من تحت أقدام دول الحصار في أفريقيا؟
أقول إن حكمة حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني_أمير البلاد المفدى "حفظه الله" واصطفاف الشعب القطري وكل من يقيم على أرض قطر خلف القيادة الرشيدة واللغة الدبلوماسية الهادئة والخطاب الاعلامي المتوازن وتكامل أدوار كل الجهات في الدولة كلها شكلت سبباً منطقياًلتلك النجاحات التيدفعت دول الحصار بعد نحو عام من التصعيد والوعيد للتحول إلى الدفاع والتبرير، خصوصاً بعد أن اتضح أن الأزمة بنيت على دوافع ملفقة، فكما تعلم فإن الدبلوماسية القطرية انتهجت الهدوء والترفع والمحاجة القوية المبنية على الوقائع للرد على الادعاءات الكاذبة للدول المحاصرة، بينما كانت دول الحصار تمارس سياسة الضغط أملاً في تحقيق الانفجار فأخرجت أوراق قوتها جميعاً، فالموقف القطري حظي بدعم واضح من مراكز صنع القرار العالمي شرقاً وغرباً، وأفلحت الدبلوماسية القطرية في تحييد مواقف دول القارة الإفريقية وغيرها من دول العالم من الحصار الجائر، وبالنتيجة أجمع المجتمع الدولي على أنه لا سبيل غير الحوار دون إملاءات للخروج من الأزمة وتأييد مبادرة سمو أمير الكويت، وهو ما دفع بدول الحصار لإرسال مسؤوليها إلى العواصم الإفريقية للتشويش على حراك دولة قطر الدبلوماسي ولكن دون جدوى.
أعلن الصومال في باديء الأمر قراره الحيادي، وما زال متمسكاً به، وبموجب ذلك حرم من مساعدات مالية ضخمة من بعض دول الحصار، هل لدى الدوحة سياسة دعم بديلة للصومال حاضراً ومستقبلاً من خلال تشييد مستشفيات وجامعات ومطارات في الصومال رغم الظروف الأمنية في البلاد؟
أجدد التأكيد على أن سياسة دولة قطر تجاه الصومال حاضراً ومستقبلاً دون أدنى شك هي داعمة بالطبع للشعب الصومالي فالعلاقة التي تربط البلدين ليست آنية أو مرتبطة بظرف ما، بل هي علاقات بين الشعوب، وعندما نتحدث عن العلاقات بين قطر والصومال، فإننا لا نتحدث عن العلاقات بصورها المتعارف عليها في مجال العمل السياسي، بل نتحدث عن آليات داخلية عمقت أواصر العلاقة بين الشعبين وترابطها، كما أود أن أضيف شيئاً آخراً، هناك آلية مشتركة بين البلدين لتنفيذ العديد من المشاريع التنموية في الحاضر والمستقبل، ونسبةً لوجود تلك الآلية يمكن التحدث عن الثقة بشكل أكبر في العلاقات بين البلدين بطريقة أخرى وليس بطريقة شخصية، هذا أولاً.. ثانياً: التوجه الحكيم من قبل القيادة الرشيدة في دولة قطر بقيادة حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني_أمير البلاد المفدى "حفظه الله" يصب في العمل لمصلحة الشعب الصومالي بشكل عام، فالمسألة تتعلق أولاً وأخيراً بالقيمة المضافة التي ستحدثها الجهود التنموية التي تقوم بها قطر في نهضة الدولة الصومالية، والإسهام بفاعلية في كل ما من شأنه تحقيق مصلحة الشعب الصومالي.
وكما تعلم فإن الأمن والتنمية مطلبان أساسيان متلازمان وهما في علاقة جدلية تحكم أيّ مقاربة استراتيجية تنموية في أيّ دولة، فلا يمكن الحديث عن استراتيجية للتنمية دونما إرساء دعائم الأمن باعتباره صمام أمان وضمان استراتيجي للمقاربة التنموية في بعدها الشامل، كما أن غياب أو ضعف البنية الأمنية ينعكس بشكل مباشر على التنمية ويهدد بنسف أيّ مقاربة جهود تنموية مهما كانت دقة صياغتها والإمكانيات المتوفرة لها.
فالأمن يعد مدخلاً أساسياً من مداخل ضمان التنمية في الصومال، وأصبح مطلباً أساسياً من أجل توفير الأجواء المساعدة على الاستثمار وترسخيه في البلاد.
في نهاية عام 2017 أعلن صندوق قطر للتنمية عن مشروع لترميم طريقين رئيسيين يربطان العاصمة ببقية الأقاليم الأخرى، وهما طريق جوهر وطريق أفجوي، أين انتهى ذلك المشروع؟ وماهي التحديات والصعوبات التي يواجهها المشروع حالياً؟
أنا على علم مسبق بأن هذا السؤال يدور في أذهان الكثيرين من أبناء الشعب الصومالي، ولكن كما قلت في العديد من المناسبات، فإن المشاريع التنموية الممولة من صندوق قطر للتنمية وجميع الاتفاقيات التي تم توقيعها سترى النور قريباً جداً، وأنه جارٍ إعداد الملامح الأخيرة لتلك المشاريع وما تم الاتفاق عليه، قبل إطلاقها رسمياً فما يمكن التأكيد عليه هنا أن هناك خطة تسير وفق توقيتات زمنية محددة للإنتهاء من دراسات كافة جوانب تلك المشاريع وتم طرحها في مناقصات وجارٍ تنفيذ الباقي تدريجياً، وأؤكد أنه لا يوجد أي خلل في سير الترتيبات بشأن إنشاء طريقي "جوهر وأفجوي" مع الأخذ في الاعتبار تنفيذ هذه المشاريع بمواصفات عالمية ففي مثل تلك المشاريع فإن دولة قطر تركز إلى جانب عامل الوقت على الجودة التي تمثل أهمية قصوى للغاية خاصة في ظل استمرار الجهود القطرية في تنفيذ الخطط والإجراءات المتعلقة بالنهضة التنموية في العديد من المجالات خاصة مشاريع البنية التحتية في الصومال، و أؤكد هنا أيضاً على أن دولة قطر حريصة جداً على النهوض بالصومال، ومما لا شك فيه فإن أيّ مشاريع تنموية بذلك الحجم و في أي دولة تواجه الكثير من التحديات خاصة إذا كان الأمر متعلقاً بتنفيذ تلك المشاريع بالشكل الأفضل والأميز.
حظي جواز السفر الصومالي مؤخراً باعتراف دولي، آخرها اعتراف النرويج في منح التأشيرة لحملة جواز السفر الصومالي مستقبلاً، كبداية جديدة هل ستقدم قطر على خطوة كهذه لعودة الجواز الصومالي لدول الخليج؟
من المفارقات الواضحة، الربط بين اعتراف بعض الدول في منح التأشيرات لحملة جواز السفر الصومالي وبين ما اتخذته دولة قطر قبل سنوات باعترافها بوثائق السفر الصادرة عن الحكومة الصومالية وهذا الشيء لا زال قائماً ومعمولاً به، فمن المنظور القانوني والتمثيلي فأن الجواز الصومالي معترف به لدى دولة قطر ويسمح لحامليه بالمرور والتنقل بناء على تأشيرة دخول مسبقه، الشيء الذي يجسد ويترجم ديمومة العلاقات بين الدولتين.
يعاني الصومال على مدى عقود من الزمن تحدياً أمنياً كبيراً، هل لدى قطر رؤية استراتيجية لدعم الصومال أمنياً مثل تركيا والاتحادين الأوروبي والإفريقي؟
دعم دولة قطر للصومال أمنياً يأتي في سياق التوصيات الاستراتيجية العالمية لمكافحة الإرهاب، الذي اعتمدته الجمعية العامة في 6 سبتمبر عام 2006م، وذلك من خلال التأكيد على عدة ثوابت دولية من أهمها التزام دولة قطر بمؤازرة جميع الجهود الرامية إلى دعم السيادة الصومالية واحترام سلامته الإقليمية واستقلاله السياسي، وإدانة الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره إدانةً مستمرة وقاطعة وقوية، أياً كان مرتكبوه وحيثما أرتكب، وأياً كانت أغراضه على أساس أنه يُعد واحداً من أشد المخاطر التي تهدد السلام والأمن في الصومال والمنطقة، واستعماله للقوة بأي شكل يتعارض مع مقاصد الأمم المتحدة ومبادئها، إضافة إلى دعم تسوية المنازعات بالوسائل السلمية وفقاً لمباديء العدالة والقانون الدولي، واحترام حق الشعب الصومالي في تقرير مصيره، وعدم التدخل في شؤونه الداخلية والتعاون مع الحكومة الفيدرالية في حل المشاكل ذات الطابع الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي أو الإنساني، والوفاء بنية صادقة بالالتزامات التي قطعتها دولة قطر على نفسها وفقاً لهذا للميثاق.
كما أن تلك الرؤية قائمة في الأساس على المطالبة بوقف الأعمال والأساليب والممارسات الإرهابية بجمع أشكالها ومظاهرها فهي أنشطة تهدف إلى تقويض حقوق الإنسان والحريات الأساسية والديمقراطية بشكل خاص في الصومال، وتهدد السلامة الإقليمية للدول وأمنها وتزعزع استقرار الحكومات المشكلة بصورة مشروعة بشكل عام، وأنه ينبغي للمجتمع الدولي أن يتخذ الخطوات اللازمة لتعزيز التعاون و يمكن أن نقول إن هناك رؤية معينة للدولة تجاه دعم الدولة الصومالية أمنياً ومواصلة بذل كل ما في وسعها من أجل حل الصراعات في الصومال والقضاء على الفقر وتعزيز النمو الاقتصادي المتواصل والتنمية المستدامة والازدهار، وتحسين التفاهم فيما بين الثقافات وكفالة احترام القيم الدينية أو المعتقدات أو الثقافات، انطلاقاً من الحاجة الماسة إلى معالجة الظروف التي تؤدى إلى انتشار الإرهاب وتدهور الأوضاع في الصومال بشكل مستمر، وانطلاقاً أيضاً من مبدأ التكامل ودعم جهود الحكومة لبسط الأمن والسلم ودفع عجلة التنمية في البلاد، فسيكون من المهم التركيز في المرحلة المقبلة على دعم الولايات الفيدرالية، لتطوير البنية التحتية المحلية مثل الطرق والأسواق والمباني الإدارية والطاقة الشمسية وذلك بالشراكة مع الأمم المتحدة والبنك الدولي وبالتنسيق مع الحكومة الفيدرالية.
أخيراً: كيف تقرأون الوضع الصومالي الراهن سياسياً ودبلوماسياً وأمنياً؟ وما هو مستقبل العلاقات بين الدوحة ومقديشو؟
من وقت لآخر، يلجأ الإنسان لمراجعة ما حوله، وفيما يخص المشهد الصومالي بشكل عام، ومراجعة أوضاعه بهدف إعادة رسم صورة للواقع بشكل يسمح لنا وبشفافية الخروج بنتائج تتناسب مع رغبات وتطلعات الشعب الصومالي، دون القفز على النتائجالتي لا تنسجم مع قراءة الوضع، كان لابد من قراءة الوضع الراهن وتقديره والإستلهام من تجارب الصومال الراهنة والماضية، فعند مقارنة الحاضر بالماضي يتضح لنا القدر الكبير من الوعى الشعبي مقارنة بما كان عليه الصومال في السابق؛ وذلك بنبذ العنف وتوفر مناخ سياسي وأمني خلق فرصاً جادة للنهوض بالدولة الفيدرالية وتفادي العودة لمربع "الحرب الأهلية " بعد أن تحولت الحواجز إلى جسور، فالأوضاع في الصومال بشكل عام ورغم التحديات والأزمات المتلاحقة، إلا أنها تسير نحو الأفضل في كافة المجالات، فقد علمتنا تجارب التاريخ أن الشعب دائماً ينتصر، وأن الشعب حين يستيقظ من غفلته ويرى الحقائق لا يمكن أن يقهر، والصومال أثبت بأنه دائماً لا يقهر.
أخيراً أوجز قولي وأقول: إن مستقبل العلاقات بين دولة قطر وجمهورية الصومال، تمر بأقوى مراحلها حالياً، خصوصاً بعد أن أظهرت دولة قطر جدية شديدة في دعم الصومال وبشفافية معلنة في العديد من المجالات لتحقيق النفع لجميع أركان الدولة الفيدرالية، عكس بعض الدول الأخرى التي تحاول استنزاف موارده الطبيعية، فما يمكن التأكيد عليه هنا أن العلاقات بين البلدين آخذةٌ في الإزهار والتطور في ظل مواجهتهما للعديد من التحديات المشتركة.